حكم إخراج القيمة في الزكاة
عن أنس رضي الله عنه :
إن أبا بكر رضي الله عنه كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم :
" من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقه فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن إستيسرتا له أو عشرين درهماً .
ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين .
ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطي شاتين أو عشرين درهماً .
من بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين .
ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت نخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهماً أو شاتين " .... أخرجه البخاري .
والحديث دليل علي أن الأصل في الزكاة إخراج ما عينه الشارع ووجه الاستدلال :
إنه صلي الله عليه وسلم لم يعدل إلي القيمة مباشرة فلو كان دفع القيمة جائزاً علي الإطلاق لعدل إليه مباشرة .
والزكاة حق الله تعالى وقد علقه علي ما نص عليه فلا يجوز نقل ذلك إلى غيره .
وقد قال بأن أخذ القيمة لا يجوز في شئ من الزكاة : مالك والشافعي وابن حزم رحمهم الله .
وعورض هذا الاستدلال بما يلي :-
- بأن الله تبارك وتعالي يقول :" خذ من أموالهم صدقة".... التوبة : 103 , وهذا نص علي أن المراد بالمأخوذ صدقة
وكل جنس يأخذه من المال فهو صدقة .
- وبأن القيمة مال فأشبهت المنصوص عليه .
- ولأنه لما جاز العدول عن العين التي وجبت فيها الزكاة إلي جنسها بالإجماع بأن يخرج زكاة غنمه من غنم غيرها جاز العدول من جنس إلى جنس .
- وبأن المقصود من الزكاة إغناء الفقير ودفع حاجته وهذا يحصل بأداء القيمة كما يحصل بأداء المنصوص عليه من الشاة وغيرها .
وقد تكون القيمة أحظ للفقير وأكثر دفعاً ورفعاً لحاجته .
- وبأن أداء الزكاة إلي الفقير واجب حقاً لله وقضاء لحق الفقير الذي له عند الله بحكم وعد الرزق وهذا يحصل بأداء القيمة .
ولا يمنع الخروج عن العهدة بطريق من الطرق .
- وبأن التفصيل الذي ورد حديث أنس رضي الله عنه عن أبي بكر الصديق في فريضة الصدقة إنما هو لبيان قدر الواجب لما سمي لا للتقييد به .
وتخصيص المسمى محمول علي التيسير لأن أداء هذه الأجناس أسهل علي أصحابها ألا ترى أن الله تعالي يقول :
" خذ من أموالهم صدقة " ... التوبة : 103 , فجعل الأخذ لما سمى بمطلق المال . فتجري فيه القيمة .
وهذا مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد رحمهما الله .
والراجح والله تعالى أعلم:
أن الأصل إخراج الزكاة من جنس ما وجبت فيه حسب ما ورد في النصوص ويراعي ذلك الأصل ما أمكن
فإن دعت الضرورة أو المصلحة أو الحاجة إلى دفع القيمة جاز .
وهذه روايات عن أحمد بن حنبل رحمه الله .
وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله حيث قال في " مجموع الفتاوى " :" وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك .
فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز وعند أبي حنيفة يجوز وأحمد رحمه الله ـ قد منع القيمة في مواضع وجوزها في مواضع
فمن أصحابه من أقر النص منهم من جعلها علي روايتين .
والأظهر في هذا : أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه ولهذا قدر النبي صلي الله عليه وسلم الجبران بشاتين أو عشرين درهماً
ولم يعد إلي القيمة ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقاً فقد يعدل المالك إلي أنواع رديئة وقد يقع في التقويم ضرر ولأن الزكاة مبناها علي المواساة
وهذا معتبر في قدر المال وجنسه وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به : مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم فهنا إخراج عشر الدراهم يجزيه ولا يكلف أن يشتري ثمراً أو حنطة إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه وقد نص أحمد علي جواز ذلك .
ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل وليس عنده من يبيعه شاة فإخراج القيمة هنا كاف ولا يكلف السفر إلي مدينة أخرى ليشتري شاة
ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع فيعطيهم إياها أو يرى الساعي أن يأخذها أنفع للفقراء .