هل الحج من مصرف سبيل الله
قال الله تبارك وتعالى :
"إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم " .. التوبة:61 .
اختلف في مصرف سهم " سبيل الله " .
فقيل : سهم " سبيل الله " مصروف في الغزاة وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن صححها ابن قدامة في " المغني "
فلا يشمل الحج ولا غيره .
وقال محمد بن الحسن الشيباني وأحمد في رواية عنه معتمده في المذهب :" سبيل الله " مصروف في الغزاة وفي الحج .
وتوسع بعضهم في مصرف سهم " سبيل الله " فقال : يصرف في جميع المرافق العامة من بناء المساجد والقناطر والسقايات وإصلاح الطرق
وبناء المستشفيات والمدارس ونحو ذلك
واستدل هؤلاء بما جاء عن أنس بن مالك والحسن قالا :" ما أعطيت في الجسور والطرق فهو صدقة ماضية " أخرجه أبو عبيد .
والذي يترجح عندي والعلم عند الله تعالي : إن سهم " سبيل الله " يصرف في الغزاة وفي الحج وذلك للأمور التالية :
1. إن إطلاق " سبيل الله " علي الغزو والجهاد هو الظاهر المتبادر من نصوص القرآن العظيم والسنة النبوية إذ سبيل الله عند الاطلاق
إنما ينصرف إلي الجهاد فإن كل ما في القرآن من ذكر " سبيل الله " إنما أريد به الجهاد إلا اليسير فيجب أن يحمل ما في هذه الآية على ذلك .
وقد ثبت النص في أن الحج من " سبيل الله " .
عن أم معقل رضي الله عنها قالت :
" لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله وأصابنا مرض وهلك أبو معقل
وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من حجته جئته فقال : يا أم معقل ما منعك أن تخرجي معنا ؟ قالت :
لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله .
قال : فهلا خرجت عليه فإن الحج في سبيل الله فأما إذ فاتتك هذه الحجة معنا فاعتمري في رمضان فإنها كحجة .
فكانت تقول : الحج حجة والعمرة عمرة وقد قال هذا لي رسول الله صلى عليه وسلم ما أدري ألي خاصة ؟ "
فالحديث نص علي أن الحج من سبيل الله . ويتحصل مما سبق أن الجهاد والحج مصرفان لسهم " سبيل الله "
ولا يصح أن يشمل غيرهما لأنه لم يأت به النص .
ويرشحه أن سياق الآية يدل علي أن " في سبيل الله " قسم مستقل غير الأصناف الأخرى المذكرة فيها ولو كان المراد به وجوه البر والخير والطاعة عموماًلما كان هناك معنى لذكر هذه الأقسام الأخرى إذا جميعها داخل فيه .
2. ويؤكده : أنه جاء في مطلع الآية :" إنما الصدقات .. " و " إنما " تفيد الحصر فلو كانت المذكورات هي أفراد لقسم واحد
وهو البر والخير والطاعات المفهوم من قول :" في سبيل الله " لما كان هناك معنى للحصر .
3. ولأن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم يفسر الآية ولا نعلم إنه صلى الله عليه وسلم وصحابته أنفقوا سهم
" سبيل الله " في المرافق العامة ووجوه البر والخير إنما صرف في الجهاد في سبيل الله والحج .
فإن قيل : لا يسلم أن يسلم أن الصحابة لم يقولوا بذلك فقد جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
" ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة ما ضية " . ومعنى هذا : أن صرف الزكاة في إصلاح الجسور وتعبيد الطرق من مصارف الزكاة .
فالجواب : هذا المعنى الذى فهم من الأثر السابق فيه نظر بيانه :
أن معنى الأثر : أن إعطاء المسلم زكاته على العمال الذين يوقفهم السلطان على الجسور والطرق يجزئ عنه , وقد كان الولاة يأمرون العمال على جمع الصدقة والعشارون بالوقوف على الجسور والطرق التي يمر عليها أصحاب الأموال الظاهرة ليعشروا عليهم ويأخذوا الزكاة منهم .
4. ويدل على ذلك رواية للأثر السابق أخرجها ابن زنجوية في كتاب " الأموال "نصها : " عن أنس بن مالك والحسن قالا :
ما أعطيت في الجسور والعشور فهي صدقة ما ضية " .
وقد بوب أبو عبيد القاسم بن سلام :" باب ما يأخذ العاشر من صدقة المسلمين وعشور أهل الذمة والحرب "
وأورد فيه جملة من الآثار تدل على ما ذكرت .
وقال في موضوع آخر :" إذا مر رجل مسلم بصدقته على العاشر فقبضها منه فإنها عندنا جازية عنه لانه من السلطان .
كذلك أفتت العلماء . ثم أورده بسنده لاثر السابق عن أنس بن مالك والحسن " .
قلت : وهذا ظاهر في المعنى الذي ذكرته والله أعلم .
5.ويتأيد باتفاقهم على أنه لا يجوز إخراج الزكاة إلي بناء المساجد .