فتاوي الصوم لـ د/ أيمن خليل
حكم صوم المسافر
ذكرنا فيما سلف أن شروط وجوب الصوم هي :
1) الإسلام.
2) البلوغ .
3) العقل.
4)استطاعة.
5) الإقامة.
ومن ثم فإن ذلك يعني أن الصوم واجب على المقيم
حكم صوم شهر رمضان في السفر
مشروعية الفطر في السفر:
يشرع للمسافر ( سفرا يقصر فيه) أن يفطر فلا يجب عليه الصوم فيجوز الفطر للمسافر باتفاق أهل العلم،
سواء كان قادرًا على الصيام، أو عاجزًا، وسواء شق عليه الصوم، أو لم يشق، بحيث لو كان مسافرًا في الظل والماء ومعه من يخدمه جاز له الفطر والقصر.
وقد انعقد الاجماع: على أن المسافر يجوز له الفطر.
إذا صام المسافر في شهر رمضان هل يصح صومه؟
وفي مذهب الحنابلة الأولى ألا يصوم؛ بل كرهوا الصوم للمسافر
وقال الشافعية: الأولى أن يصوم،
وقال آخرون: إنه على التخيير، لا نفضل الفطر ولا الصوم.
منشأ الخلاف: هو المفهوم من قوله سبحانه وتعالى : {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
فقال الجمهور: الكلام محمول على المجاز و تقديره صلى الله عليه وسلم فأفطر فعدة من أيام أخر وهذا الحذف هو المعروف بلحن الخطاب.
وقال الظاهرية: الكلام محمول على الحقيقة لا المجاز و فرض المسافر هو عدة من أيام أخر فمن قدر و أفطر ففرضه عدة من أيام أخر إذا أفطر.
القول الأول: إذا صام المسافر في شهر رمضان لا يصح صومه
ذهبت الظاهرية وبعض أهل القياس ( وبه تقول الشيعة ) :
وقالوا بأنه لا يصح صوم مسافر، وأنه لو صام فقد قدم الصوم على وقته وكان كمن صام رمضان في شعبان.
و يجب عليه القضاء و لا يجوز عندهم صيام رمضان في سفر في شهر رمضان بينما يجوز صيام واجب أو قضاء أو نذر في السفر.
وحجتهم في هذا: قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]
لأن "عدة" مبتدأ خبرها محذوف والتقدير فعليه عدة من أيام أخر، والأخر بمعنى المغايرة وقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم:"ليس من البر الصوم في السفر" وإذا لم يكن براً صار إثماً. و َجَعَلَ السَّفَرَ وَالْمَرَضَ نَاقِلَيْنِ،
عَنِ الصَّوْمِ فِيهِ إلَى الْفِطْرِ، وقالوا أن ِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)
إِنَّمَا أَوْجَبَ تَعَالَى صِيَامَهُ عَلَى مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ لاَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَعْضَهُ وَلاَ فَرْضَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ إلاَّ أَيَّامًا أُخَرَ غَيْرَ رَمَضَانَ وَهَذِهِ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ مَنْسُوخَةٌ ، وَلاَ مَخْصُوصَةٌ.
كما استدلوا بحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا صَائِمٌ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ
(متفق عليه)( البخاري - كتاب الصوم - باب قول النبي لمن ظلل عليه و اشتد الحر – ح) ( ومسلم - كتاب الصيام )
فائدة هامة :
يجب أن ننتبه للفرق بين دلالة السياق ، والقرائن الدالة على تخصيص العام مثل هذا الحديث ليس من البر الصيام في السفر .
وبين ورود العام على سبب وهذا لايقتضى التخصيص ، مثل سرقة رداء صفوان فنزلت الآية (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) .
وبحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ
الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ
و في رواية: فَقِيلَ لَهُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ
( مسلم - كتاب الصيام - باب جواز الصوم و الفطر في شهر رمضان للمسافر- ح)
كما استدلوا بماورد عن عبد الرحمن بن عوف : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر
( النسائى وإبن ماجه – مصنف بن أبى شيبه - البهيقى)
وهو موقوف منقطع واسناده ضعيف . قال البوصيرى في الزوائد في إسناده انقطاع ،وأمام بن زيد متفق على تضعيفه وأبو سلمه بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه .
فهذا لاتصح نسبة لعبد الرحمن بن عوف ولو صح لما كان فيه حجة .
كما استدلوا ماورد عن ابن عمر أنه قال :" من لم يقبل رخصه الله كان عليه من الأثم مثل جبل أحد" ، وأما قول بن عمر فهذا في حق من رد الرخصة ولم يقبلها ولم يرها رخصه فهذا عدوان منه ومعصية .
أما من أقر بها ولم ينكر على من أخذ بها وإن سافر فوجد من نفسه ضعفاً أفطر وإن وجد من نفسه قوة فهذا ليس رد لرخصة الله وإلا لما صارت رخصه ولأصبحت عزيمة .
واستدلوا كذلك بحديث دحية الكلبى في سنن أبى داود أنه سافر من قريته في رمضان وذلك ثلاثة أميال فأفطر وأفطر معه الناس وكره ذلك آخرون فلما رجع إلى قريته قال والله لقد رأيت أمراً ماكنت أظن أنى أراه أن قوماً رغبوا عن هدى رسول الله وأصحابه يقول ذلك للذين صاموا ثم قال عندها اللهم أقبضنى اليك ، ودحية الكلبى ينكر على من كرهوا لمن أفطر
الفطر فهو لاينكر عليهم صومهم وإنما ينكر عليهم أنهم أنكروا على من أفطر في سفره .
وعلى فرض صحة ماذهبوا إليه فلا حجة لفعله وقوله ، لمعارضته لقول النبى صلى الله عليه وسلم ولفعله .
فتاوي الصوم د أيمن خليل