القول الثاني: إذا صام المسافر في شهر رمضان صح صومه وأجزأه في رمضان و في صوم التطوع:
وهو مذهب الجمهور ( أبو حنيفة والأوزاعي و مالك والشافعي وأحمد)
و هو الراجح وقالوا أن الصوم في السفر صحيح مجزيءفي رمضان أو غيرهو حتى صوم التطوع واستدلوا:
القرآن: قوله عز وجل : " فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ"
الكلام محمول على المجاز و تقديره صلى الله عليه وسلم فأفطر فعدة من أيام أخر و هذا الحذف هو المعروف بلحن الخطاب.
السنة: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ.
( البخاري - كتاب الصوم - باب لم يعب أصحاب النبي بعضهم بعضا في الصوم- ح)
ولحديث أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.
( مسلم - كتاب الصيام باب التخيير في الصوم و الفطر في السفر – ح)
ولحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ
وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَقَالَ إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ
( البخار ي - كتاب الصوم - باب الصيام في السفر و الإفطار – ح)
، وقد خرج مسلم هذا الحديث عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ (حمزة هذا هو الذي بشر كعب بن مالك بتوبته فكساه ثوبيه وفى التاريخ الكبير للبخاري أنه قال كنا مع النبي في ليله ظلماء فأضاءت أصابعي حتى حملوا عليها ظهرهم وما هلك منهم وأن أصابعي لتنير) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ
( مسلم - كتاب الصيام - باب التخيير في الصوم و الفطر في السفر – ح) ، وفى الحديث تخير بين الصوم والفطر .
ولحديث أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ َقَالَ سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ قَالَ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَكَانَتْ رُخْصَةً فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ فَقَالَ إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا وَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرْنَا ثُمَّ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ
( مسلم - كتاب الصيام - باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل – ح )
والراجح في حكم صوم شهر رمضان في السفر هو مذهب الجمهور :
بالنسبة للآية فهناك تقديره ( فأفطر) ، ومنه قوله تعالى "وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا "
فلا يتصور أن يسأل البيوت أو الإبل ، وإنما هناك تقدير ( أصحاب القرية – أصحاب العير) .
ومنه كذلك قوله تعالى : ( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ) أي : حب العجل .
المراد بالآية بيان البدل أن عليه عدة من أيام أخر، لا وجوب أن تكون عدة من أيام أخر وعليه فإن المسافر لا يلزمه الصوم، لكن يلزمه القضاء كالمريض.
وأما حديث " ليس من البر الصيام في السفر". فهذا لمن وصلت المشقة به إلى أن أغشى عليه وهو لايريد أن يأخذ بالرخصة ويفطر ،
حتى ظلله الناس في ظل شجرة ورشوا عليه الماء فإذا كان الأمر كذلك فليس هذا البر الذي يحبه الله صلى الله عليه وسلم
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) .
أما حديث أولئك العصاة: جاء في رواية لمسلم صلى الله عليه وسلم فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام
فظاهر الحديث إنما هو في حق من استمر على صومه في السفر مع المشقة الحاصلة منه و تركهم متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في فطره.
"أولئك العصاة" فليس للصوم في السفر والإ فإن النبي نفسه ظل صائماً والناس معه حتى العصر ،ولكن لأنه أفطر وأمر الناس بالفطر فصاموا رغم ذلك وعصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وفي الحديث ما يدل على جواز الصوم للمسافر لمن لا يشق عليه الصوم و ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم صام حتى بلغ كراع الغميم فلما بلغه بعد العصر المشقة أفطر، وكذلك يدل الحديث على جواز الفطر في السفر و لو بعد مضي أغلب النهار
وهذا ما صنعه النبي صلى الله عليه وسلم من أنه قد صام في السفر ، وما فعله الصحابة فلم ينكر من صام على من أفطر.
ولحديث أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم
لمذهب تفضيل الصوم لمن أطاق بلا ضرر ولا مشقه .
ولحديث أنس بن مالك رضى الله عنه كنا نسافر مع النبى صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر ولها المفطر على الصائم .
ولحديث أبى الدرداء ( عويمر أنصارى خزرجى أسلم يوم بدر – أحد من جمع القرآن ،آخى النبى بينه وبين سلمان كان فقيهاً حكيماً له 179 حديثاً ) .
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شهر رمضان فى حر شديد حتى أن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر
وما معنا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحه
وكذلك لحديث أنس : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فمنا الصائم ومنا المفطر قال : فنزلنا منزلاً فى يوم حار
وأكثر ظلاً صاحب الكساء فمنا من يقى الشمس بيده قال فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنيه وسقوا الركاب فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم : ذهب المفطرون بالأجر
ففي هذا الحديث دليل على صحة الصوم فى السفر - وفيه القيام بمصلحة الدواب من الإبل وغيرها بالسقى وغيره وهو واجب وهو يشتمل على سنة تقريرية ، وهي إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للصوم فى السفر وللفطر فى السفر ،ويتلاحظ أن المفطر في هذا الحديث فمصلحته من الفطر متعدية لنفع غيره .
وذهب الجمهور إلى أنه لو صام في السفر صح صومه على خلاف بينهم في الأفضل هل الرخصه أم العزيمه .
أيهما أفضل الرخصة (أي الفطر ) أم العزيمه (صوم شهر رمضان ) في السفر؟.
- الجمهور : وقالوا بأن الصوم أفضل
( الأحناف - مالك في المشهور عنه - القرطبى – قتاده مجاهد ورواه الخطابى عن عمر بن عبد العزيز –وورد عن أنس بن مالك ) . (وهو الراجح )
- إبن عباس وإبن عمر:الفطر أفضل وبه قال سعيد بن المسيب والأوزاعى – وأحمد وإسحق.
- وقول للشافعى الفطر أفضل.
فتاوي الصوم د أيمن خليل