الحكمة الخامسة:الدلالة القاطعة على أن القرآن الكريم تنزيل من حكيم حميد
إن هذا القرآن الذي نزل مُنَجَّمًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أكثر من عشرين عامًا تنزل الآية أو الآيات على فترات من الزمن يقرأه الإنسان ويتلو سوره فيجده محكم النسج، دقيق السبك، مترابط المعاني، رصين الأسلوب، متناسق الآيات والسور، كأنه عقد فريد نظمت حباته بما لم يُعهد له مثيل في كلام البشر: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} هود: 1. ولو كان هذا القرآن من كلام البَشر قيل في مناسبات متعددة، ووقائع متتالية، وأحداث متعاقبة، لوقع فيه التفكك والانفصام، واستعصى أن يكون بينه التوافق والانسجام: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} النساء: 82. فأحاديث رسول الله, صلى الله عليه وسلم -وهي في ذروة الفصاحة والبلاغة بعد القرآن الكريم- لا تنتظم حباتها في كتاب واحد سلس العبارة يأخذ بعضه برقاب بعض في وحدة وترابط بمثل ما عليه القرآن الكريم أو ما يدانيه اتساقًا وانسجامًا. فكيف بكلام سائر البشر وأحاديثهم: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} الإسراء: 88.