3- المرحلة الثالثة : فرض الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي:-
فالصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي
ومما يؤكد ذلك ما ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم من أنه صلى عند بيت الله الحرام أمام المشركين
وأن هذا الأمر تكرر منه وذلك لم يكن ليلا وإنما نهارا
وأن المشركين شاهدوه في مجلسهم وتعرضوا له بالأذى
فقد فرضت الصلاة في مبدأ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم .. ففي كتاب الله عز وجل توجد آيات عديدة في السور المكية
نزلت في مبدأ البعثة تأمر بالصلاة وتحث عليها
ففي أول سورة نزلت وهي سورة العلق نطالع قول الحق سبحانه
" أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) " وقد نزلت هذه الآية في شأن أبي جهل "
والذي حظر على النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي عند البيت الحرام
فقد خرج الامام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ أَبُو جَهْلٍ هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالَ فَقِيلَ نَعَمْ فَقَالَ وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى
لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ
قَالَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ قَالَ فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ
قَالَ فَقِيلَ لَهُ مَا لَكَ فَقَالَ إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
لَا نَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ شَيْءٌ بَلَغَهُ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى
أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى
كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلَّا لَا تُطِعْهُ .."[1]
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أمام قريش عند بيت الله الحرام وكان يناله من ذلك الأذى
فقد خرج البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود
قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ
إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلَانٍ فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلَاهَا
فَيَجِيءُ بِهِ ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ
وَثَبَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنْ الضَّحِكِ فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام
وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَثَبَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ
فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ
قَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ
ثُمَّ سَمَّى اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ
وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً..[2]
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه مستترا عن أعين المشركين بقريش
ولكن كانت قريش تنالهم بالأذى إذا علموا بصلاتهم من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم
فقد خرج البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا
قَالَ نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ
فَإِذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ أَيْ بِقِرَاءَتِكَ فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ
وَلَا تُخَافِتْ بِهَا عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا[3]
ولم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يجهر بصلاته في المسجد الحرام
وذلك حتى إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما ذكر ابن سعد في طبقاته بإسناد (صححه الدكتور / أكرم العمري في كتابه السيرة الصحيحة)
عن ابن مسعود: لقد رأيتنا و ما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا نصلي
وفي هذه المرحلة كان الصحابة يصلون مستخفين في الشعب بعيدا عن أعين المشركين
وهذا الأمر يذكر بما حدث في الدول التي دانت بالشيوعية كالاتحاد السوفيتي وألبانيا ويوجوسلافيا والمجر .. الخ
فقد كانت هذه البلاد – قبل أن تنهدم حصونها ويزول هذا الوهم المعروف بالشيوعية من حياتهم
لا يستطيع المسلمون أن يجهروا فيها بالصلاة بل كانوا يستترون بها بعيدا عن أعين هؤلاء الكافرين وخوفا من أذاهم
بل وكان حفظ القرآن يتم خفية وكذلك قراءة كتب العلم
[1] ( مسلم - كتاب صفة القيامة و الجنة و النار - باب إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى – ح )
[2] ( البخاري كتاب الصلاة باب المرأة تطرح عن المصلي شيئا من الأذى و مسلم في الجهاد و السير)
[3] ( البخاري كتاب تفسير القرآن باب وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا و مسلم كتاب الصلاة )