غسل من غسل ميتاً
وذلك للحديث الذي خرجه أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ
و قَالَ أَبُو دَاوُد عن هَذَا الحديث أنه مَنْسُوخٌ
وقال: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَسُئِلَ عَنْ الْغُسْلِ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ فَقَالَ يُجْزِيهِ الْوُضُوءُ
وقد طعن الأئمة في هذا الحديث علي بن المديني – أحمد – بن المنذر – الرافعي وقالوا لم يصح في هذا الباب شيء
وقال بن حجر حسنه الترمذي وصححه بن حبان وهو بكثرة طرقه أقل أحواله أن يكون حسناً
والأمر بهذا محمول على الندب لحديث عمر ( كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل )
وقال الألباني عن هذا الحديث هو صحيح أورد خمسة طرق منها الصحيح والضعيف والمنجبر والحسن
وقال الخطابي : لا أعلم أحدا من الفقهاء يوجب الاغتسال على من غسل الميت
ولا الوضوء من حمله ويشبه أن يكون الأمر في ذلك على الاستحباب
وقد يحتمل أن يكون المعنى فيه أن غاسل الميت لا يكاد يأمن أن يصيبه نضح من رشاش الغسل
وربما كان على بدن الميت نجاسة فإذا أصابه نضح وهو لا يعلم مكانه كان عليه غسل جميع بدنه
ليكون الماء قد أتى على الموضع الذي أصابه النجس من بدنه ،
قد قيل في معنى ( ومن حمله فليتوضأ ) أي ليكون على وضوء ليتهيأ له الصلاة على الميت والله أعلم
وقال الخطابي : وفي إسناد الحديث مقال
وقد اختلف في إسناد هذا الحديث اختلافا كثيرا
وقال أحمد بن حنبل وعلي بن المديني : لا يصح في هذا الباب شيء
وقال محمد بن يحيى : لا أعلم من غسل ميتا فليغتسل حديثا ثابتا ولو ثبت لزمنا استعماله
وقال الشافعي في البويطي إن صح الحديث قلت بوجوبه . ( بمعناه ) : أي بمعنى حديث عمرو بن عمير
و قال أبو داود أن الغسل من غسل الميت ( منسوخ )
قال الحافظ في التلخيص : ويدل له ما رواه البيهقي عن الحاكم عن أبي علي الحافظ عن أبي العباس الهمداني الحافظ
حدثنا أبو شيبة حدثنا خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن عمرو بن عكرمة عن ابن عباس قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه إن ميتكم يموت طاهرا
وليس ينجس فحسبكم أن يغسلوا أيديكم
قال البيهقي : هذا ضعيف والحمل فيه على أبي شيبة
وقد أوردنا هذا الغسل ضمن الأغسال المستحبة على قول من قال بهذا الحديث
أوجب بعض الفقهاء الاغتسال من غسل الميت والوضوء من حمله
وإلى ذلك ذهب أكثر الحنابلة فقالوا بأن الوضوء ينتقض بتغسيل الميت صغيرا كان أم كبيرا ذكرا أم أنثى مسلما كان أم كافرا
واستندوا إلى حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ
واقتصر فيه على لفظ من غسل ميتا فليغتسل
وهذا الحديث ضعيف
كما استندوا إلى ما روى عن ابن عمر وابن عباس (ر) أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء
و ما ورد عن أبي هريرة انه قال اقل ما فيه الوضوء
وقد ورد ذلك أيضا عن على وحذيفة
و قد ذهب ابن تيمية إلى انه لا يوجد للموجبين دليل صحيح بل الأدلة الراجحة تدل على عدم الوجوب لكن الاستحباب متوجه ظاهر
وهذا ما رجحه الإمام أحمد . و عند جمهور الفقهاء لا يجب الوضوء من غسل الميت او حمله
وذلك لعدم وجود دليل صحيح على ذلك وهذا هو الراجح في هذه المسألة
فالمسلم ليس بنجس حتى يجب الغسل من تغسيله
أو الوضوء من حمله . كما أن ما ذهب إليه القائلون باستحباب الغسل يؤكد أن الوضوء لم ينتقض وإلا لوجب الوضوء
وما قال به الموجبون للوضوء من أن تعليل مساس فرج الميت عند مباشرة تغسيله فهذا لا يصح
لان الوضوء أوجبوه على من غسل الميت سواء مس فرجه أم لا ؟
و لم يوجبوه على من مس فرج الميت و قالوا بان الوضوء ينقض و لو غسل الميت في قيمصه
وقد ورد عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك وأنهم لم يتوضؤا من حمله ولم يغتسلوا من تغسيله
فقد خرج مَالِك في موطئه عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَنَّطَ ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ
وخرج الترمذي في سننه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مِنْ غُسْلِهِ الْغُسْلُ وَمِنْ حَمْلِهِ الْوُضُوءُ يَعْنِي الْمَيِّتَ
قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ
وقَالَ أَبُو عِيسَى عقب حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ، حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا
وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الَّذِي يُغَسِّلُ الْمَيِّتَ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ
إِذَا غَسَّلَ مَيِّتًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ
و قَالَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ
و قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَسْتَحِبُّ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا
وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ
و قَالَ أَحْمَدُ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا أَرْجُو أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ
و قَالَ إِسْحَقُ لَا بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ لَا يَغْتَسِلُ وَلَا يَتَوَضَّأُ مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ
واستدل الموجبون للغسل
بحديث علي الذي أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما ولفظ أبي داود
قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم إن عمك الشيخ الضال قد مات قال
اذهب فوار أباك ثم لا تحدثن شيئا حتى تأتيني , فذهبت فواريته وجئته فأمرني فاغتسلت ودعا لي
و بحديث عائشة الذي أخرجه أبو داود وغيره بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع
من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة ومن غسل الميت والحديث ضعيف
وحديث أبي هريرة قال عنه الحافظ في الفتح : هو معلول لأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : الصواب عن أبي هريرة موقوف
كما أنكر النووي على الترمذي تحسينه
وقد صحح هذا الحديث ابن حبان كما ذكره الحافظ في التلخيص
واستدل هؤلاء أيضا بحديث الباب لكنهم حملوا الأمر فيه على الاستحباب
وذلك لحديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه إن ميتكم يموت طاهرا وليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم "
أخرجه البيهقي وقد حسن الحافظ إسناده وقال فيجمع بينه وبين الأمر في حديث أبي هريرة
بأن الأمر على الندب أو المراد بالغسل غسل الأيدي كما صرح به في هذا انتهى
ولحديث ابن عمر رضي الله عنه كما نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل
قال الحافظ في التلخيص : إسناده صحيح وهو يؤيد أن الأمر في حديث أبي هريرة للندب
وهو أحسن ما جمع به بين مختلف هذه الأحاديث انتهى
ولحديث أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنها غسلت أبا بكر حين توفي
ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت إن هذا يوم شديد البرد وأنا صائمة فهل علي من غسل ؟ قالوا لا ؟
رواه مالك في الموطأ .
قال الشوكاني في نيل الأوطار معقباً على أثر أسماء بنت عميس
".. وهو من الأدلة الدالة على استحباب الغسل دون وجوبه
وهو أيضا من القرائن الصارفة عن الوجوب
فإنه يبعد غاية البعد أن يجهل أهل ذلك المجمع الذين هم أعيان المهاجرين والأنصار واجبا من الواجبات الشرعية
ولعل الحاضرين منهم جل المهاجرين وأجلهم , لأن موت مثل أبي بكر حادث لا يظن بأحد من الصحابة الموجودين في المدينة أن يتخلف عنه
وهم في ذلك الوقت لم يتفرقوا كما يتفرقوا من بعد ، ثم قال: والقول بالاستحباب هو الحق لما فيه من الجمع بين الأدلة بوجه مستحسن انتهى ..."
. . ( وقد روي عن عبد الله بن المبارك أنه قال لا يغتسل ولا يتوضأ من غسل الميت )
استدل من ذهب إلى عدم استحباب الاغتسال من غسل الميت
بحديث ابن عباس المذكور وبحديث أسماء بنت عميس المذكور
وأجابوا عن حديث الباب بأنه ضعيف
قال علي بن المديني وأحمد بن حنبل : لا يصح في الباب شيء
وقال الذهلي : لا أعلم فيه حديثا ثابتا ولو ثبت للزمنا استعماله
وقال الرافعي : لم يصحح علماء الحديث في هذا الباب شيئا مرفوعا
وقد عرفت أن الحق أن حديث الباب بكثرة طرقه وشواهده لا ينحط عن درجة الحسن
وأجابوا أيضا بأن حديث الباب منسوخ وقد جزم به أبو داود ونقله عن أحمد
وفيه أن النسخ لا يثبت بالاحتمال بل إذا وجد ناسخ صريح وهو متأخر