حكم الأضحية
اختلف الفقهاء في حكم الأضحية على مذهبين :
المذهب الأول : القول بوجوب الأضحية على الموسر :
فأوجبها هؤلاء الفقهاء على المسلم المقيم الموسر من أهل الأمصار والقري و البوادي إلا الحاج فالمشروع في حقه الهدي ، و ممن قال بذلك الإمام أبو حنيفة و هو قول للإمام مالك و الثوري و الأوزاعي و الليث بن سعد وهو رواية عن الإمام أحمد واختاره ابن تيمية ،
أدلة القائلين بوجوب الأضحية على الموسر :
استدلوا بأدلة منها ما يلي :
- أن الله سبحانه وتعالى ذكر الأضحية مقرونة بالصلاة في قوله: " فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ" ،
وفي قوله: " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " الأنعام ،
كما أنه سبحانه ذكر أحكامها وفوائدها ومنافعها في سورة الحج ، وشيء هذا شأنه ينبغي أن يكون واجباً وأن يلزم به كل من قدر عليه.
- كما استدلوا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بردة بن نيار رضى الله عنه بإعادة أضحيته إذ ذبح قبل صلاة العيد حيث قال صلى الله عليه وسلم :
( من كان قد ذبح قبل الصلاة فليعد )
( رواه البخاري ومسلم)
- وأنه قد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يضحي كل عام لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما:
" أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشر سنين يضحي." .
( سنن الترمذي – ك الأضاحي – باب الدليل على أن الأضحية سنة )
وكأن الترمذي يشير في ترجمته إلى أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الاستحباب وأنه لم يرد دليل على الوجوب .
- كما حاول بعض الفقهاء الذين أوجبوا الأضحية الاستدلال لمذهبهم بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا" .
( سنن ابن ماجه - ك الأضاحي - باب الأضاحي واجبة هي أم لا؟)
( وهو أيضا عند أحمد في مسنده وعند الحاكم في مستدركه ، كما رواه البيهقي والدراقطني كل في سننه )
وقالوا أن ما يشتمل عليه الحديث من تهديد ووعيد بمنعه من حضور صلاة العيد ( وخاصة مع ترجيح القول بأنها واجبة ) فما ذلك إلا لترك الواجب .
ولكن هذا الحديث لا يصلح دليلا لهم فقد قال عنه أحمد هو منكر ، ورجح الدراقطني أنه موقوف ، وإلى ذلك ذهب عبد البر في التمهيد ، وقد ضعفه المحدثون لوجود عبد الله بن عياش في سنده وقد ضعفه النسائي وأبو داود .
- كما حاول بعضهم الاستدلال بحديث مخنف بن سليم ([1]) رضي الله عنه قال :
" كُنَّا وَقُوفًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً وَعَتِيرَةً، أَتَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ؟ هِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا النَّاسُ الرَّجَبِيَّةَ".
(والحديث أخرجه أحمد في مسنده ، وابن ماجه في سننه ، ك الأضاحي واجبة هي ام لا ، واللفظ له ، وأبو داود في سننه - ك الأضاحي- باب ما جاء في إيجاب الأضاحي )
وقال عقبه «الْعَتِيرَةُ مَنْسُوخَةٌ هَذَا خَبَرٌ مَنْسُوخٌ» .
وهذا الحديث ضعيف لأن في سنده عامر أبي رملة وهو مجهول ، فضلا عن أن أبا داود الذي روى الحديث قال بعده : العتيرة منسوخة هذا خبر منسوخ ، ومن ثم فهذا الحديث لايصلح شاهدا لهم .
المذهب الثاني: القول باستحباب الأضحية وعدم وجوبها على الموسر:
وهو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية و الشافعية و الحنابلة وقالوا أن الأضحية سنةٌ مؤكدةٌ في حق الموسر .
أدلة القائلين باستحباب الأضحية :
استدلوا على ذلك بأدلة منها ما يلي :
- حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً .".
( صحيح مسلم - ك الأضاحي - باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو مريد التضحية أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئا – ح 1977)
قال الإمام الشافعي :وهذا دليل أن التضحية ليست بواجبة ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( وأراد ) ، فجعله مفوضاً إلى إرادته .
- كما استدلوا بما خرجه أبو داود عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَضْحَى بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ مِنْ مِنْبَرِهِ وَأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي .".
( سنن أبي داود – ك الضحايا – باب في الشاة يضحى بها عن جماعة ) .
- كما استدل أصحاب هذا المذهب أيضا بما ذكره الشافعي في الأم ، ورواه البيهقي بإسناده عن الشعبي عن أبي سريحة الغفاري
(حذيفة بن أسيد صاحب رسول الله ) أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يُرَى أنها واجبة .
- وبما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال : " إني لأدع الأضحية وإني لموسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم علي" ،
ومعلوم أن أبا مسعود الانصاري كان من مياسير الصحابة ، ( واسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة وهو عقبي ، مات في خلافة على بن أبى طالب وكان واليا له على الكوفة ومات بها ) فتركه للضحية مع قدرته كان لبيان الحكم للناس وأنها مستحبة وليست واجبة وإلا لما تركوها .
- كما يستدل عل الاستحباب بما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر تعليقاً : ( وقال ابن عمر : هي سنة ومعروف) ،
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح عن هذا الأثر : " وصله حماد بن سلمة في مصنفه بسند جيد إلى ابن عمر " .
القول الراجح في حكم الأضحية :
القول الثاني باستحباب الأضحية وأنها غير واجبة هو الراجح .
تذكر
اختلف الفقهاء في حكم الأضحية على مذهبين
المذهب الأول : القول بوجوب الأضحية على الموسر
المذهب الثاني: القول باستحباب الأضحية وعدم وجوبها على الموسر
الراجح فى حكم الأضحية :- هو استحباب الأضحية وأنها غير واجبة
|
([1])مخنف بن سليم الأزدي الغامدي من الصحابة انتهت إليه زعامة الأزد قاطبة في الكوفة. وهو أحد أهم الذين شاركوا مع علي رضي الله في حروبه مع أهل الشام وقد ولاه علي على أصبهان ، وابنه عبد الرحمن بن مخنف الغامدي .. يعد ثاني أهم الأمويين في العراق بعد المهلب ابن أبي صفرة الأزدي. وكان له القدح المعلى ، والنصيب الأوفر في قتال الخوارج في أيام عبد الملك ابن مروان. وقد استشهد في إحدى معاركه معهم .