وللعلم بالمكي والمدني فوائد أهمها: أ- الاستعانة به في تفسير القرآن: فإن معرفة مواقع النزول تساعد على فهم الآية وتفسيرها تفسيرًا صحيحًا، وإن كانت العبرة بعموم اللَّفظ لا بخصوص السبب. ويستطيع المفسر في ضوء ذلك عند تعارض المعنى في آيتين أن يُميز بين الناسخ والمنسوخ، فإن المتأخر يكون ناسخًا للمتقدم. ب- تذوق أساليب القرآن والاستفادة منها في أسلوب الدعوة إلى الله، فإن لكل مقام مقالًا، ومراعاة مقتضى الحال من أخص معاني البلاغة، وخصائص أسلوب المكي في القرآن والمدني منه تعطي الدارس منهجًا لطرائق الخطاب في الدعوة إلى الله بما يلائم نفسية المخاطب، ويمتلك عليه لُبّه ومشاعره، ويعالج فيه دخيلته بالحكمة البالغة، ولكل مرحلة من مراحل الدعوة موضوعاتها وأساليب الخطاب فيها، كما يختلف الخطاب باختلاف أنماط الناس ومعتقداتهم وأحوال بيئاتهم، ويبدو هذا واضحًا جليًّا بأساليب القرآن المختلفة في مخاطبة المؤمنين والمشركين والمنافقين وأهل الكتاب. جـ- الوقوف على السيرة النبوية من خلال الآيات القرآنية.. فإن تتابع الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساير تاريخ الدعوة بأحداثها في العهد المكي والعهد المدني منذ بدأ الوحي حتى آخر آية نزلت، والقرآن الكريم هو المرجع الأصيل لهذه السيرة الذي لا يدع مجالًا للشك فيما رُوِيَ عن أهل السير موافقًا له، ويقطع دابر الخلاف عند اختلاف الروايات.( مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ) أيضا من فوائد العلم بالمكي والمدني تمييز الناسخ من المنسوخ فيما إذا وردت آيتان أو آيات من القرآن الكريم في موضوع واحد وكان الحكم في إحدى هاتين الآيتين أو الآيات مخالفا للحكم في غيرها ثم عرف أن بعضها مكي وبعضها مدني فإننا نحكم بأن المدني منها ناسخ للمكي نظرا إلى تأخر المدني عن المكي. ومن فوائده أيضا معرفة تاريخ التشريع وتدرجه الحكيم بوجه عام وذلك يترتب عليه الإيمان بسمو السياسة الإسلامية في تربية الشعوب والأفراد. وسيستقبلك في هذا المبحث فروق بين المكي والمدني تلاحظ فيها جلال هذه الحكمة. ومن فوائده أيضا الثقة بهذا القرآن وبوصوله إلينا سالما من التغيير والتحريف. ويدل على ذلك اهتمام المسلمين به كل هذا الاهتمام حتى ليعرفون ويتناقلون ما نزل منه قبل الهجرة وما نزل بعدها وما نزل بالحضر وما نزل بالسفر وما نزل بالنهار وما نزل بالليل وما نزل بالشتاء وما نزل بالصيف وما نزل بالأرض وما نزل بالسماء إلى غير ذلك. فلا يعقل بعد هذا أن يسكتوا ويتركوا أحدا يمسه ويعبث به وهم المتحمسون لحراسته وحمايته والإحاطة بكل ما يتصل به أو يحتف بنزوله إلى هذا الحد.