بداية استقلال علوم القرآن بالتدوين والمصنفات الأولى فيه
جاء عصر التدوين في القرن الثاني، وبدأ تدوين الحديث بأبوابه المتنوعة، وشمل ذلك ما يتعلق بالتفسير،
وجمع بعض العلماء ما رُوِيَ من تفسير للقرآن الكريم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن الصحابة، أو عن التابعين
واشتهر منهم: يزيد بن هارون السلمي المتوفى سنة 117 هجرية، وشُعْبَة بن الحجاج المتوفى سنة 160 هجرية
ووكيع بن الجراح المتوفى سنة 197 هجرية، وسفيان بن عُيينة المتوفى سنة 198 هجرية، وعبد الرزاق بن همام المتوفى سنة 211 هجرية
وهؤلاء جميعًا كانوا من أئمة الحديث، فكان جمعهم للتفسير جمعًا لباب من أبوابه، ولم يصلنا من تفاسيرهم شيء مكتوب سوى مخطوطة تفسير عبد الرزاق بن همام
ثم نهج نهجهم بعد ذلك جماعة من العلماء وضعوا تفسيرًا متكاملًا للقرآن وفق ترتيب آياته، واشتهر منهم ابن جرير الطبري المتوفى سنة 310 هجرية.
وهكذا بدأ التفسير أولًا بالنقل عن طريق التلقي والرواية، ثم كان تدوينه على أنه باب من أبواب الحديث، ثم دُوِّنَ على استقلال وانفراد،
وتتابع التفسير بالمأثور، ثم التفسير بالرأي
وبإزاء علم التفسير كان التأليف الموضوعي في موضوعات تتصل بالقرآن ولا يستغني المفسر عنها
فألَّف عليُّ بن المديني شيخ البخاري المتوفى سنة 234 هجرية في أسباب النزول
وألَّف أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224 هجرية في الناسخ والمنسوخ، وفي القراءات
وألَّف ابن قتيبة المتوفى سنة 276 هجرية في مُشْكَل القرآن
وهؤلاء من علماء القرن الثالث الهجري
وألَّف محمد بن خلف المرزبان المتوفى سنة 309 هجرية "الحاوي في علوم القرآن
وألَّف أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري المتوفى سنة 328 هجرية في علوم القرآن
وألَّف أبو بكر السجستاني المتوفى سنة 330 هجرية في غريب القرآن
وألَّف محمد بن عليٍّ الأدفوي المتوفى سنة 388 هجرية "الاستغناء في علوم القرآن
وهؤلاء من علماء القرن الرابع الهجري
ثم تتابع التأليف بعد ذلك
فألَّف أبو بكر الباقلاني المتوفى سنة 403 هجرية في إعجاز القرآن.
وعليُّ بن إبراهيم بن سعيد الحوفي المتوفى سنة 430 هجرية في إعراب القرآن
والماوردي المتوفى سنة 450 هجرية في أمثال القرآن
والعز بن عبد السلام المتوفى سنة 660 هجرية في مجاز القرآن
وعلم الدين السخاوي المتوفى سنة 643 هجرية في علم القراءات
وابن القيم المتوفى سنة 751 هجرية في "أقسام القرآن
وهذه المؤلَّفات يتناول كل مؤلف منها نوعًا من علوم القرآن وبحثًا من مباحثه المتصلة به
أول من دَوَّن علوم القرآن
أما جمع هذه المباحث وتلك الأنواع -كلها أو جلها- في مؤلف واحد فقد ذكر الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني في كتابه "مناهل العرفان في علوم القرآن"1
أنه ظفر في دار الكتب المصرية بكتاب مخطوط لعلي بن إبراهيم بن سعيد الشهير بالحوفي، اسمه "البرهان في علوم القرآن
يقع في ثلاثين مجلدًا، يوجد منها خمسة عشر مجلدًا غير مرتبة ولا متعاقبة،
حيث يتناول المؤلف الآية من آيات القرآن الكريم بترتيب المصحف فيتكلم عما تشتمل عليه من علوم القرآن، مفردًِا كل نوع بعنوان
فيجعل العنوان العام في الآية: "القول في قوله عز وجل
ويذكر الآية، ثم يضع تحت هذا العنوان: "القول في الإعراب" ويتحدث عن الآية من الناحية النحوية واللغوية
ثم "القول في المعنى والتفسير" ويشرح الآية بالمأثور والمعقول، ثم "القول في الوقف والتمام
ويبين ما يجوز من الوقف وما لا يجوز، وقد يُفْرِد القراءات بعنوان مستقل فيقول: "القول في القراءة
وقد يتكلم عن الأحكام التي تؤخذ من الآية عند عرضها
والحوفي بهذا النهج يعتبر أول من دَوَّن علوم القرآن، وإن كان تدوينه على النمط الخاص الآنف الذكر، وهو المتوفى سنة 430هـ