التعريف بعلوم القرآن وبيان نشأة هذا العلم وتطوره
العلوم: جمع عِلم
والعلم: الفهم والإدراك. ثم نُقِلَ بمعنى المسائل المختلفة المضبوطة ضبطًا علميًّا
والمراد بعلوم القرآن: العلم الذي يتناول الأبحاث المتعلقة بالقرآن من حيث معرفة أسباب النزول، وجمع القرآن وترتيبه، ومعرفة المكي والمدني
والناسخ والمنسوخ، والمُحْكَمِ والمتشابه، إلى غير ذلك مما له صلة بالقرآن
وقد يسمى هذا العلم بأصول التفسير, لأنه يتناول المباحث التي لا بد للمفسر من معرفتها للاستناد إليها في تفسير القرآن
( مباحث في علوم القرآن لمناع القطان )
اهتمام الصحابة بالقرآن
القرآن الكريم هو معجزة الإسلام الخالدة أنزله الله على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور،
ويهديهم إلى الصراط المستقيم، فكان صلوات الله وسلامه عليه يبلغه لصحابته -وهم عرب خُلَّصٌ- فيفهمونه بسليقتهم،
وإذا التبس عليهم فهم آية من الآيات سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها
رَوَى الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود قال
"لما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} 1
شق ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله، وأيُّنا لا يظلم نفسه؟ قال: "إنه ليس الذي تعنون
ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} 2, إنما هو الشرك"
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفَسِّرُ لهم بعض الآيات
أخرج مسلم وغيره عن عقبة بن عامر قال:
سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
يقول وهو على المنبر: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}
الأنفال: 60 "ألا إن القوة الرمي
وحرص الصحابة على تلقي القرآن الكريم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحفظه وفهمه، وكان ذلك شرفًا لهم
عن أنس رضي الله عنه قال: "كان الرجل منا إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّ فينا" أي عَظُم
وحرصوا كذلك على العمل به والوقوف عند أحكامه
.
رُوِيَ عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قال
"حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن، كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما
أنهم كانوا إذا تعلَّموا من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل،
قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا
ولم يأذن لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كتابة شيء عنه سوى القرآن خشية أن يلتبس القرآن بغيره
رَوَى مسلم عن أبي سعيد الخدري
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
"لا تكتبوا عني, ومَن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدِّثوا عني ولا حَرَج، ومَن كَذَبَ عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"
ولئن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أذن لبعض صحابته بعد ذلك في كتابة الحديث
فإن ما يتصل بالقرآن ظل يعتمد على الرواية بالتلقين في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
جاءت خلافة عثمان رضي الله عنه، واقتضت الدواعي إلى جمع المسلمين على مصحف واحد، فتم ذلك،
وسُمِّيَ بالمصحف الإمام، وأُرْسلت نسخ منه إلى الأمصار، وسُمِّيَتْ كتابته بالرسم العثماني، نسبة إليه، ويُعتبر هذا بداية "لعلم رسم القرآن
ثم كانت خلافة عليٍّ -رضي الله عنه- فوضع أبو الأسود الدؤلي بأمر منه قواعد النحو، صيانة لسلامة النطق
وضبطًا للقرآن الكريم، ويُعتبر هذا كذلك بداية لـ"علم إعراب القرآن
من عرف بالتفسير من الصحابة
استمر الصحابة يتناقلون معاني القرآن وتفسير بعض آياته على تفاوت فيما بينهم، لتفاوت قدرتهم على الفهم
وتفاوت ملازمتهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتناقل عنهم ذلك تلاميذهم من التابعين
ومن أشهر المفسرين من الصحابة: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأُبَيُّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير
وقد كثرت الرواية في التفسير عن: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأُبَيِّ بن كعب
وما رُوِيَ عنهم لا يتضمن تفسيرًا كاملًا للقرآن، وإنما يقتصر على معاني بعض الآيات، بتفسير غامضها، وتوضيح مجملها
سورة الأنعام الأية 82
سورة لقمان الإية 13