القول الثانى : تارك الصلاة فاسق مرتكب لكبيرة من أكبر الكبائر ولكنه غير خارج من الملة
وهذا هو قول جماهير الفقهاء
وهؤلاء قالوا: قد ثبت له حكم الإسلام بالدخول فيه, فلا نخرجه عنه إلا بيقين
ثم استدلوا من القرآن الكريم
على عدم خروجه بما يلي : بالأدلة التي تفيد أن الله تعالى يغفر جميع الذنوب عدا الشرك
كقوله تعالى :"إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "
قالوا : فتارك الصلاة داخل تحت المشيئة فليس بكافر
كما استدلوا بالأدلة من السنة النبوية
التي تفيد أن من قال :( لا إله إلا الله ) دخل الجنة ولم يشترط الصلاة ومن ذلك
حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
:"مامن عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله حرمه الله على النار "
حديث عبادة بن الصامت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال
:" من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه
والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من عمل
و حديث معاذ بن جبل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال
"من كان آخر كلامه : لا إله إلا الله , دخل الجنة "
وحديث عتبان بن مالك وفيه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال
:"إن الله قد حرم على النار من قال : لا إله إلا الله يبتغى بذلك وجه الله "
قالوا : فلم يشترط الصلاة لنجاته من النار ودخوله الجنة
وأجاب المكفرون : بأن هذه النصوص وما فى معناه على قسمين
إما عام مخصوص بالأحاديث الدالة على الكفر تارك الصلاة 1-
وإما مطلق مقيدة بما لا يمكن معه ترك الصلاة كما هو واضحاً2-
فى قوله صلى الله عليه وسلم :" ... يبتغى بذلك وجه الله
وهناك أدلة مفهومها أن ترك الصلاة لا يخرج من الملة
ومنها : حديث عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
:" خمس صلوات افترضهن الله على عباده , فمن لقيه بهن لم يضيع منهن شيئاً لقيه وله عنده عهد يدخله به الجنة
ومن لقيه بهن وقد انتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن لقيه ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء غفر له "
قالوا : فهو يدل على أن تارك بعض الصلوات ليس كافراً لدخوله تحت المشيئة
والراجح في هذه المسألة
أن تارك الصلاة تكاسلا فاسق مرتكب لكبيرة من أكبر الكبائر
ولكنه لا يكفر كفراً أكبر مخرج من الملة بخلاف تاركها جحوداً المستحل لتركها
حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ
وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ
يَقُولُونَ أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَنَحْنُ نَقُولُهَا فَقَالَ لَهُ صِلَةُ مَا تُغْنِي عَنْهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا صَلَاةٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلَاثًا
كُلَّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ يَا صِلَةُ تُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ ثَلَاثًا .."[1]
فهذا الحديث نص في أنهم لم يكفروا مع تركهم الصلاة ، كما أننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك غسيله
والصلاة عليه ودفنه مقابر المسلمين ولا منع ميراثه ولا فرق بين زوجين لترك الصلاة ولو كان كافراً لثبتت هذه الأحكام
وذهب بعض الفقهاء إلى أن تارك الصلاة يعزر و لا يقتل ردة، وقيل يسجن و قيل يضرب حتى يصلي
قال بذلك: أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري والمزني من الشافعية ، و داود الظاهري
و مروي عن بعض التابعين كسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والزهري
وقال البعض لا يكون كافرا حتى يصر على تركها، وقال البعض لا يكون كافرا حتى يموت على تركها
وذهب بعض الفقهاء إلى أن تارك الصلاة لا يكون كافرا و لو مات مصرا على الترك إلا إذا دعي إلى فعلها وهدد بالقتل
فاختار القتل على الصلاة وممن قال بذلك الألباني (سلسلة الأحاديث الصحيحة)
وقال بعض الفقهاء يكون كافرا و يقتل مرتدا إلا أنه لا يخلد في النار ومن القائلين بذلك الشوكاني في نيل الأوطار
[1] ( سنن ابن ماجه – ك الفتن – باب ذهاب القرآن والعلم )