غسل دخول مكة
وذلك لما خرجه البخاري عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
إِذَا صَلَّى بِالْغَدَاةِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَرُحِلَتْ ثُمَّ رَكِبَ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا
ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الْحَرَمَ ثُمَّ يُمْسِكُ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذَا طُوًى بَاتَ بِهِ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ اغْتَسَلَ
وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ
وقد خرج الترمذي في سننه عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ
اغْتَسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدُخُولِهِ مَكَّةَ بِفَخٍّ
وقَالَ الترمذي عن هذا الحديث : هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ
وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ
وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ يُسْتَحَبُّ الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُمَا
وَلَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ
والترمذي يشير إلى ما خرجه الإمام مَالِك في موطئه عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
كَانَ إِذَا دَنَا مِنْ مَكَّةَ بَاتَ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ حَتَّى يُصْبِحَ ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ
وَلَا يَدْخُلُ إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا حَتَّى يَغْتَسِلَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ إِذَا دَنَا مِنْ مَكَّةَ بِذِي طُوًى وَيَأْمُرُ مَنْ مَعَهُ فَيَغْتَسِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا
ووجه الاستدلال ما عرف عن ابن عمر من شدة تحريه لهدي النبي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وكذلك فقد يثبت اغتسال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحديث
الذي خرجه الترمذي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ مَا أَخْبَرَنِي أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى إِلَّا أُمَّ هَانِئٍ
فَإِنَّهَا حَدَّثَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَاغْتَسَلَ فَسَبَّحَ ثَمَانَ رَكَعَاتٍ
مَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلَاةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ
و قَالَ الترمذي عن هَذَا الحَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وهذا الحديث خرجه الإمام أحمد في مسنده عن فاخته ( أم هانئ)
وذلك بلفظ : "لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَجَرْتُ حَمْوَيْنِ لِي مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِذْ طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعَلَيْهِ رَهْجَةُ الْغُبَارِ فِي مِلْحَفَةٍ مُتَوَشِّحًا بِهَا فَلَمَّا رَآنِي قَالَ مَرْحَبًا بِفَاخِتَةَ أُمِّ هَانِئٍ
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجَرْتُ حَمْوَيْنِ لِي مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ
ثُمَّ أَمَرَ فَاطِمَةَ فَسَكَبَتْ لَهُ مَاءً فَتَغَسَّلَ بِهِ فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي الثَّوْبِ مُتَلَبِّبًا بِهِ وَذَلِكَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ضُحًى
وهذا الحديث ورد عند الإمام أحمد على نحو آخر مغاير لما سلف عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ
قَالَتْ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ بِأَعْلَى مَكَّةَ فَأَتَيْتُهُ فَجَاءَ أَبُو ذَرٍّ بِجَفْنَةٍ فِيهَا مَاءٌ
قَالَتْ إِنِّي لَأَرَى فِيهَا أَثَرَ الْعَجِينِ قَالَتْ فَسَتَرَهُ يَعْنِي أَبَا ذَرٍّ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَذَلِكَ فِي الضُّحَى
وهذا الحديث يخالف ما خرجه الإمام مسلم عن أَبي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ
والذي حدث بأَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ
فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ
وعلى الرغم من هذا التعارض بين الحديثين إلا أن جميعها تؤكد استحباب غسل عند دخول مكة
وهذا أيضاً يؤكده ما في صحيح مسلم وهذا الحديث أيضاً عند البخاري
وجميع هذه الأحاديث تؤكد أن الذي كان يستر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو ابنته فاطمة
وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسل ببيت فاخته ( أم هانىء)
وتلتقي هذه الأحاديث في إثباتها لإغتساله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند دخوله مكة وفتحها سنة 8هـ